هذه القارَّة في المحيط الأطلسي التي أسمها الحكومة، والتي استغرق اكتشافها فوق طاقة كولومبس، فيما بحارّة مدينة جَنَوى الإيطالية، يخوضون العُبَاب في المحيط المتجمّد الشمالي والمحيط المتجمد الجنوبي، وكل ما في المحيطات من هائجٍ ومتجمّد.
والحقائب أصبحت هي أيضاً شبيهة بلعبة الشطرنج التي يتبارز فيها الملك والوزير والفيل والحصان والعسكري... والهدف من هذه اللعبة هو الوصول الى تطويق حركة الشاه أو تضييق الخناق على الملك.
وعبثاً حاول الملك سليمان أن يستجير بعيد مار مارون ليقول للمؤمنين: الحقَّ الحقَّ أقول لكم "من المعيب أن يستمرّ التأخير بتأليف الحكومة... وأن يكون التمسك بحقيبة وزير أهمّ من التمسّك بلبنان..."
ولم يكن لهذا الكلام الجوهري مِنْ وَقْعٍ، لأن هناك من يتمسكون بحبال الهواء وحبال الأهواء وحبائل الرياح التي تهب من المحيط المتجمد الشمالي، والمحيط المتجمّد الشرقي، والمتجمّد الجنوبي، ومن كل ما يبثُّه لَظى الصحراء ولَسْعُ بلاد الصقيع.
والكلام الرئاسي كان يعتصم بالصمت الأدبي حين يستوجب الأمر أن يكون على غرار خطبة الحجاج بن يوسف، ولعل الحرص على ما تبقَّى من ماء الوجه الوطني هو الذي فضّل معه الرئيس أن يعبّ الماء على أن يوجّه إصبعه الى عين الأعور.
وعين الأعور التي تظل أفضل من الأعمى هي التي تقرأ ما لا يخفى على ذوي الألباب من مسرحية الهنود الحمر حيال تأليف الحكومة، وبما يمكن إستخلاصه:
أولاً: هناك من يربط دولة التأليف الحكومي، بفخامة الإستحقاق الرئاسي.
ثانياً: هناك مـن يراهن على الفراغ الحكومي، الذي يشكل ضاغطاً رادعاً للفراغ الرئاسي بحجّة أن البلاد لا تحتمل الوقوع في فراغين.
ثالثاً: هناك من يراهن على الفراغين معاً، وعلى الدولة السائرة نحو اللاّدولة حسبما أعلن الرئيس نبيه برّي ، حتى ولو خربت البصرة مرتين: مرّة في أيام القائم بأمر الله، ومرّة بسبب ثورة الزِنْج.
رابعاً: هناك من تجرَّع مكرهاً كأس تكليف تمام سلام رئاسة الحكومة لفترة إنتخابية محدّدة، إلاّ أنَّ هذه الكأس تصبح "رِجْساً من عمل الشيطان" يقتضي اجْتِنابُه في نادي رؤساء الحكومات الرسميين...
خامساً: هناك من يُقْحِم تأليف حكومة لبنان "الحر السيد المستقل"، بكل ما أفرزته الصـراعات التاريخية في منطقة الشرق الأوسط، وبظواهر النووي الإيراني والنووي السوري، وجنيف 2، وحلبات التجاذب والتقارب بين الإيراني والسعودي، والقصائد الإنكليزية هجاءً ضد ربطة العنـق، والفرنسية مديحاً بالعباءات... الى آخر معاقل الحرب الباردة بين الأقطاب الدوليين على بحور المياه الدافئة وآبار النِفْط الدافقة.
فتّشوا إذاً عن النفط، وليس عن المرأة... النفط هو السبب الأدهى في التصارع والمحن وترويع المجتمعات وتعطيل الحكومات، رحم الله الشاعر نزار قباني الذي يقول فيه:
هجمَ النِفْطُ مثلَ ذئبٍ علينا فارتَميْنا قَتْلى على نعْلَيْهِ
مِنْ خرابِ الخرابِ جاءَ إليكمْ
حاملاً موتَهُ على كتِفَيْهِ